إن من الأمور العجيبة المثيرة لتدبر العقل المسلم، والمُحرّكة لوجدانه ذلك الكم الهائل من النصوص القرآنية والنبوية التي تحث على العطاء والبذل والتعاون والتكافل، والأعجب أنها تميل في أغلب منطلقاتها إلى التأكيد على الفوائد والثمرات التي تعود على من أعطى وبذل وضحَّى، أكثر مما تتحدث عن الثمار المرجوة لمن أخذ وإنتفع، وكأنها تعزز في عقول المؤمنين ووجدانهم أن الخير كل الخير، والفوز كل الفوز للباذلين الخيّرين، قال تعالى:{وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} [المزمل:20].
وقال أيضًا:{وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [التغابن:16].
كما أكد النبي صلي الله عليه وسلم ذلك في قوله: «خَيرُ النَّاسِ أَنْفَعُهُم للنَّاسِ» رواه الطبراني في الأوسط وحسنه السيوطي، والألباني، وقوله أيضًا: «وخَيرُ الجِيرَانِ عِنْدَ اللهِ خَيرُهُم لِجَارِهِ» رواه أحمد والترمذي وحسنه السيوطي، والشيخ شاكر، والألباني.
ويتضح من هذه النصوص الكريمة، وأخرى غيرها غزيرة، أنها تؤسس لإيجاد فائض إجتماعي من الأعمال التطوعيّة الخيّرة التي يقوم بها أبناء المجتمع، لأنه بمقدار ذلك الفائض تكون خيريّة ذلك المجتمع.
ولا ريب أنه في الظروف الصعبة، تصبح الحاجة ماسَّة إلى وجود أعداد كبيرة من الأفراد الأخيار الذين ينغمسون في أعمال الإحسان والعطاء.
ولكن الأفضل وما نصبو إليه أن تنتقل هذه المفاهيم والقيم من حيز المبادرات الفردية المحدودة -مهما بلغت أو اتسعت- إلى أعمال وأنشطة مؤسسية واسعة ممتدة مُنظَّمة، فالمؤسسات الخيرية بإمكانها إستيعاب الأنشطة الطوعية لكثير من الخيَّرين، والتي ما زالت محدودة جدًا في عالمنا الإسلامي، علمًا بأننا من أكثر الأمم ثراء بالأدبيات والتعاليم التي تشجع على الإحسان والمشاركة الإجتماعية!
ذلك أن لهذه المؤسسات وظائف عديدة، من أهمها: توفير أُطُر جيدة لتوظيف الطاقات الإجتماعية الخيرة، وإستثمارها فيما يعود على الفرد والمجتمع بالنفع، وتعزيز التوازن المجتمعي بما تملكه من موارد ووسائل، كما أنها تساعد الأسرة والمدرسة في الوصول بالتنشئة الاجتماعية لأفرادها إلى أدوارها النهائية، بما توفره من معلومات وخدمات، وبما تحله من مشكلات، وبما تقدمه من أشكال الرعاية الاجتماعية لمن يحتاج إليها.
إن الضعف والقصور الذي تعانيه الساحة الإسلامية في مجال العمل الاجتماعي التطوعي، يحمل على الإعتقاد بأن إدراك الهدف منه ما زال هشًّا أو ضعيفًا، مما يجعل حضوره ضعيفًا، كما يجعل قدرته على إثارة الحماسة للعمل من أجله، أو التغلب على معوقاته محدودًا.
ما زال الأمل يحدونا في ظلال الثورات العربية، وما تمخض عنها من بروز أحزاب كثيرة على الساحة، تتنافس على إكتساب ثقة المواطن، من خلال تقديم الكثير من الخدمات الإجتماعية والإقتصادية، أن تشكل هذه البيئة الخصبة لبنة في عمل إجتماعي تطوعي راشد ورائد، يستمد عافيته وتألقه وفعاليته من خلال العلم بأدوار العمل الإجتماعي التطوعي، وأهميته، ورُوّاده، ومجالاته، ثُمَّ من خلال تفعيل القيم والمفاهيم الإسلامية الراقية في هذا المجال، حيث إن المسلم الحق هو أجدر الناس وأحراهم أن يتمثَّلها ويحولها إلى واقع معاش.
الكاتب: يوسف إسماعيل سليمان.
المصدر: موقع لها أون لآين.